قسم علم الاجتماع والأنثروبولوجيا،
كلية غيرشون جوردون للعلوم الاجتماعية،
كلية الدراسات والسياسات الاجتماعية،
جامعة تلّ أبيب
Online First
يقدم مجلة السوسيولوجيا الإسرائيلية خيار نشر المقالات بصيغة "النشر المبكر عبر الإنترنت". تُنشر هذه المقالات على موقعنا الإلكتروني قبل ظهورها في العدد النهائي للمجلة. يتيح النشر المبكر عبر الإنترنت للباحثين والجمهور العام الوصول السريع إلى النتائج الحالية والمتقدمة، مع الحفاظ على نفس عملية مراجعة النظراء الصارمة. نرى أن النشر المبكر عبر الإنترنت هو وسيلة لتحسين الوصول ونشر المعرفة العلمية بسرعة وكفاءة.
جعل الحدود مرنة واستغلال الفرص: النساء الدرزيّات المتديّنات العاملات في مجال التكنولوجيا العالية
يستكشف البحث الحاليّ منظّمة "لوتُس" غير الحكوميّة وبدايتها كحيّز للتفاوض. تهدف هذه المنظّمة إلى تعزيز مكانة النساء الدرزيّات المتديّنات في سوق العمل المهنيّ. يتركّز هذا البحث حول مشروع "لوتُس" الذي يوفّر فرصًا جديدة للعمل، وفي الوقت نفسه يلبّي احتياجات النساء من خلال التفاوض مع رجال الدين والسلطات الحكوميّة. قامت الباحثة في هذا البحث بفحص كيفيّة انعكاس العلاقات المتبادلة والمعقّدة بين الدولة والمجتمع الدرزيّ في الإجراءات التي اتّخذتها منظّمة "لوتُس" لتطوير مبادرتها. الادّعاء الرئيسيّ في هذا البحث هي أنّ نموذج مكان العمل الذي طوّرته "لوتُس" ديناميكيّ ويتغيّر بناءً على التفاعلات بين النساء المتديّنات، منظمة "لوتُس"، شركات التكنولوجيا العالية، ورجال الدين.
الأبحاث العلميّة التي تبحث في العلاقات بين الدين والجندر في سياق العمل في ازدياد مستمرّ. غالبًا ما يفحص الباحثون تأثير التصوّرات الدينيّة المنحازة جنسيًّا على قدرة النساء المتديّنات على الاندماج في سوق العمل، بالإضافة إلى العناصر التي تمكّن أو تحدّ من هذا الاندماج. تركز الأبحاث العلميّة غالبًا على النساء المسلمات في الدول الغربيّة، وكذلك في دول الشرق الأوسط. وقد أجريت مؤخّرًا أبحاث حول مجموعة لنساء يهوديّات متديّنات، خصوصًا في إسرائيل. المجموعات الدينيّة الأخرى غالبًا لا تحصل على نفس الاهتمام في مجال البحث.
يعتمد البحث الحاليّ على نظريّتين: نظريّة النسويّة الدينيّة ونظريّة التشابك (التقاطع) وفقًا للنظريّة الأولى، النسويّة الدينيّة، فإنّ الإجراءات التي تتّخذها النساء من أجل تَدْعِيم الهوية الدينية هي احتجاج ضدّ الثقافة النيوليبرالية والفرديّة التي تستهلك الجسد النسائيّ، وكذلك ضدّ الثقافة الأبويّة. الباحثون الذين يعتمدون على هذا النهج يعتمدون على بحث دنيس كاندييوتي "التفاوض مع الأبويّة"، بحجّة أنّ النساء المتديّنات يفاوضن مراكز السلطة بناءً على سياقهنّ الاجتماعيّ، الثقافيّ، الدينيّ والتنظيميّ لتأسيس هويّتهن الدينيّة. النساء المتديّنات يلتزمن ظاهريًّا بالأوامر الدينيّة، بينما في الوقت نفسه يفاوضن مع عدد من مراكز السلطة الاجتماعيّة حول تديّنهنّ، روتينهنّ اليوميّ، نشاطهنّ الدينيّ وتكييف بيئة العمل مع هويتهنّ الدينيّة. النظريّة الثانية هي التشابك، التي تفترض أنّ الناس يخضعون، في نفس، الوقت لأنظمة متعدّدة من القمع والسيطرة والعنصريّة والتمييز. بناءً على هذه النظريّة، فإنّ فئات القمع المختلفة (العرق، الإثنيّة، الجنس، الطبقة، التفضيلات الجنسيّة وغيرها) ليست منفصلة؛ بل هي متشابكة، ممّا يكسب تأثيرًا تراكميًّا على علاقات القوّة الاجتماعيّة.
يعتمد هذا البحث على دراسة حالة تمّ استكشافها من خلال 18 مقابلة شبه منظّمة مع 14 امرأة درزيّة متديّنة يعملن في "لوتُس"، مع مدير "لوتُس"، مع زعيم دينيّ وامرأتين يهوديّتين تمثّلان شركات التكنولوجيا العالية، بالإضافة إلى جلسة نقاش ومشاهدتين. أجريت المقابلات في عام 2019 (عندما تمّ تأسيس مشروع "لوتُس") في عام 2022. تمّ تحليل المقابلات والملاحظات بناءً على مراحل الترميز والتحليل التي قدّمها كوربين وشتراوس.
تحليل المقابلات والمشاهدات يُفضي إلى نتيجتين رئيسيّتين. الأولى: "لوتُس"، كمكان عمل ديناميكيّ، يدمج النساء الدرزيّات المتديّنات في سوق العمل. كان الإنجاز الأكبر لمؤسسة "لوتُس" وشركائها هو إنشاء نموذج يسمح للنساء الدرزيّات المتديّنات بدون تعليم أكاديميّ بالحصول على فرصة العمل في وظائف التكنولوجيا العالية ذات الجودة. تمّ تحقيق هذا الهدف من خلال تكييف مكان العمل لاحتياجات النساء من خلال التفاوض مع الشركاء المختلفين، والأخذ في الاعتبار احتياجات النساء، والقيود التي وضعها زعماء الدين، وفرص العمل المقترحة من قبل مؤسّسات مدنيّة (بورتلاند). النتيجة الثانية: التطوير المهنيّ عالي الجودة مع الحفاظ على الهويّة الدينيّة من خلال التفاوض: النساء الدرزيات المتدينات في هذا المشروع يجرين تفاوضًا، مما يشهد على تعقيد هذا المشروع - من ناحية، تحدد النساء حدود بيئة عملهنّ مقابل المديرة وأصحاب العمل، وتكييفه مع المتطلّبات الدينيّة. من ناحية أخرى، يعملن بأجور منخفضة نسبيًّا مقارنة بالموظّفين ذوي عقد عمل مباشر في مجال التكنولوجيا العالية، وغالباً ما يأتي العمل على حساب الأسرة من أجل تحقيق حلمهنّ في التطوير المهنيّ.
نموذج مكان العمل في "لوتُس"، الذي يعتمد على الفصل الجندريّ، تمّ إنشاؤه بناءً على رغبة النساء في الاندماج في سوق العمل المهنيّ. الفكر الليبراليّ الرسميّ يعارض الفصل بين الجنسين في المجال العامّ، مدّعيًا أن هذا الفصل يؤدّي إلى استبعاد النساء من المناصب العليا وأحيانًا إذلالهنّ. ولكن، في المجموعات الاجتماعيّة المتديّنة، مثل المجتمع الدرزيّ، الذي يحرّم على النساء المتديّنات الاختلاط بالجنس الآخر والخروج من مكان إقامتهنّ بدون مرافقة (محرم)، فإنّ إنشاء مكان عمل آمن عالي الجودة داخل المجتمع هو السبيل الوحيد لتعزيز اندماجهنّ، حتى لو كان ذلك على حساب الفصل الجندريّ. في مكان عمل كهذا، تطوّر النساء المتديّنات هويّة مهنيّة جديدة مع الحفاظ على انتمائهنّ إلى المجتمع الدينيّ. في حين أنّ مكان عمل "لوتُس" يقع داخل القرى الدرزية، إلا أنّه لا يزال مكان عمل عالميّ، ممّا يعرض النساء لعالم التكنولوجيا العالية، ويعزّز قدرتهنّ على الاندماج في المناصب ذات الجودة العالية وتطوير مسيرة مهنيّة مع شرعيّة من القيادة الدينيّة. هذه النتائج تؤكّد نتائج الدراسات السابقة، التي استكشفت أماكن العمل الآمنة للنساء المتديّنات المستبعدات، مثل النساء اليهوديّات الأرثوذكسيات المتشدّدات. هذه الأماكن، التي ثبت نجاحها في المجال المهنيّ، تساهم في شعور النساء بالأمان وتعزّز هويتهنّ الدينيّة. تناقش هذه الدراسة كيف أن النساء المتديّنات، اللاتي يتعرّضن للقمع من تشابكات مختلفة، يعملن من هذا الموقف لخلق أماكن عمل تناسب هويتهنّ الدينيّة. لذا، يمكن اعتبار هذه التشابكات طريقة لمنح الفرص للنساء، وليس مجرّد قوّة قمعيّة.
الكلمات المفتاحيّة: النساء المتديّنات، مكان العمل النسائيّ، التكنولوجيا العالية، التفاوض، الحكم الدينيّ